أتابع حاليًا ما يحدث من إضراب نظمه منتسبي رابطة أو نقابة الكتاب الأمريكية احتجاجًا على تدني أجور كتاب السينما والمسلسلات، وخلاف النقابة مع ممثل شركات الانتاج على العقد المفترض تجديده بداية الشهر الحالي، كتاب كبار انضموا إلى هذا الإضراب دعمًا له في منصات التواصل الاجتماعي بل وحتى في المظاهرات في الأماكن العامة مثل نيل غيمان إلى جانب أحد عشر ألف كاتب حول الولايات المتحدة. ما لفت انتباهي من ردود نيل غيمان على أحد التعليقات على صفحته في الانستاغرام، رد على أحد متابعيه أنه "بالفعل هناك بعض كتاب المسلسلات والسينما يعملون بوظائف أخرى لتساعدهم على المعيشة".
أحالني هذا التعليق على واقع الكاتب العربي، الكاتب التقليدي لا كاتب السينما والتلفزيون، إذ لا خبرة لي في المجال ولا أعرف عنه الكثير. في بداية محاولتي لنشر مجموعتي القصصية تجسسات لا شعورية مع أحد دور النشر المحلية، كان عرضهم لي أن أتكفل بتكاليف الكتاب كاملة من تدقيق وطباعة وتصميم وإخراج، وفي المقابل أحصل على نسبة ٢٠٪ من المبيعات، ويحصل الناشر على ٢٠٪ من قيمة أي جائزة يفوز بها الكاتب! والحال مع بقية دور النشر التي تواصلت معها ليست بأفضل من هذا الحال ولا أكثر إنصافًا للكاتب. والأمر جلي أن لا شيء في صناعة النشر يدل على أن الحصة المالية في هذا العام موزعة بطريقة غير عادلة، ببساطة أنظر إلى عدد الناشرين المتفرغين للنشر والطباعة وعدد الكتاب المتفرغين للكتابة. ومع التمعن تجد أن كل الجهات في هذه العملية من نشر ومعارض ومكتبات محلية بل حتى الشريحة المستهدفة في هذه الصناعة - القراء- كلهم في خدمة الناشر. والحلقة الأضعف في هذه السلسلة هو الكاتب فهو أكثرهم حاجة. يحتاج الناشر والمكتبات المحلية لضمان عمليات الانتشار والبيع والتسويق، في ظل ضعف التسويق الكتروني وضيق الخيارات للنشر الالكتروني في العالم العربي. فعلى سبيل المثال أكبر منصة بيع كتب الكترونية في العالم كيندل أمازون النسخة العربية ما زالت تجريبية، وتعتريها العديد من المشاكل المتعلقة في المناطق التسويقية حيث يظهر الكتاب في مناطق دون أخرى، ولا يظهر في العديد من الدول العربية. وكان تطبيق أبجد قد بعث فيّ الأمل لما يقدمه من خدمة مشابهة لتطبيق كندل، وهي توفير عناوين عربية عديدة مقابل اشتراك شهري، إلا أنني عندما تواصلت معهم لنشر اثنين من مؤلفاتي على منصتهم علمت أنهم لا يتعاملون إلا مع دور النشر!
فما بالك لو كان الكاتب ينشر مستقلًا! عملية النشر ومؤسساتها بالكامل غير متسامحة وغير داعمة للنشر المستقل، ولعل الملام الأكبر في هذا الجانب هو الكاتب المستقل نفسه، لماذا هذا التكتم عن الحال السيء المتعلق بتدفق الأموال في صناعة النشر تدفقًا غير منصف للكاتب، فالكل مستفيد بفائدة مضمونة في عملية بيع الكتاب المنشور بشكل مستقل سوى الكاتب، فالمطبعة تأخذ قيمة الطباعة بالكامل دون أي اعتبار في تخفيض السعر للناشر المستقل، بل يعاملونه كما يعاملون ناشرًا تقليديًا إن لم يكونوا متعاونين مع دور النشر بشكل أكبر، والمكتبات المحلية لا تشتري من الكاتب نسخًا من الكتاب إنما تعرضها على الرف مقابل مشاركة ٥٠٪ من المبيعات. بحساب بسيط فإن النسبة المنخفضة التي تقدمها دور النشر للكاتب قد تساوي أو تقارب ما يحصل عليه من النشر المستقل، ولكنه يبقى دائمًا بين خيارين أحلاهما مر.
بحثت كثيرًا في مسألة النشر حول العالم وتعامل دور النشر مع الكتاب، فإن المتسالم عليه أن دار النشر تدفع مبلغًا مقدمًا للكاتب بالإضافة نسبة من مبيعات الكتاب لاحقًا. ويزيد هذا المبلغ طردًا مع دور النشر الحديثة، بمعنى أن دور النشر الناشئة تدفع مبالغ أكبر للكتاب، لأنها تعلم جيدًا أنها تحتاج لكتاب كثر لتأسيس قاعدة جيدة من الإنتاج الأدبي وبذلك تجذب الكتاب. أما النشر المستقل فهو الأكثر إنصافًا والأكثر كرمًا مع الكتاب في العالم الغربي، بالخصوص مع توافر منصات للنشر الالكتروني ووسائل الطباعة حسب الطلب، التي لا تكلف الكاتب غير ما يكتبه حرفيًا، مجرد رفع ملف الكتاب على الانترنت، ويحصل على ما يقارب ٧٠٪ من مبيعات الكتاب الالكتروني وما يقارب ٦٠٪ من مبيعات الكتب المطبوعة حسب الطلب!
مأساة يجب أن تنتهي!

Comments
Post a Comment